روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | تأخر التدوين.. هل فتح مجالاً للوضع؟ !

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > تأخر التدوين.. هل فتح مجالاً للوضع؟ !


  تأخر التدوين.. هل فتح مجالاً للوضع؟ !
     عدد مرات المشاهدة: 2058        عدد مرات الإرسال: 0

من الشبه التي يثيرها كثير من المستشرقين وأذنابهم للطعن في السنة والتشكيك فيها وفي حجيتها.

أن تأخر تدوين الحديث الذي بدأ في المائة الثانية للهجرة قد أعطى فرصة للمسلمين ليزيدوا فيه وينقصوا، ويضعوا بذلك أحاديث تخدم أغراضهم.

وقد ردد عدد من المستشرقين هذه الشبهة منهم جولد زيهر، وشبرنجر، ودوزي، فقد عقد " جولد زيهر " فصلاً خاصاً حول تدوين الحديث في كتابه " دراسات إسلامية".

وشكك في صحة وجود صحف كثيرة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم- ، ورأى " شبرنجر " في كتابه " الحديث عند العرب " أن الشروع في التدوين وقع في القرن الهجري الثاني، وأن السنة انتقلت بطريق المشافهة فقط، أما " دوزي " فهو ينكر نسبة هذه " التركة المجهولة " - بزعمه - من الأحاديث إلى الرسول.

وقد أراد المستشرقون من وراء هذه المزاعم إضعاف الثقة باستظهار السنة وحفظها في الصدور، والتشكيك في صحة الحديث واتهامه بالاختلاق والوضع على ألسنة المدونين، وأنهم لم يجمعوا من الأحاديث إلا ما يوافق أهواءهم.

والمتتبع لتاريخ السنة ودواوينها، يجزم بأنه لم يخل عصر من عصور المسلمين من كتابة الحديث وتقييده، بدءاً بعصر النبي صلى الله عليه وسلم فما بعده، بل إن الروايات بالأسانيد الثابتة التي تدل على كتابة الحديث في عصره - صلى الله عليه وسلم - تبلغ درجة التواتر.

فقد أذن - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه بالكتابة، وأمر بعضهم بها، ومن ذلك أن رجلاً من أهل اليمن قال في فتح مكة:  اكتب لي يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام:  (اكتبوا لأبي شاة) كما عند أبي داود.

وأخرج البخاري من حديث وهب بن منبهعن أخيه قال:  سمعت أبا هريرة يقول:  " ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ".

وكان عبد الله بن عمرو قد استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن يكتب بيده ما سمعه منه فأذن له، يقول عبد الله: " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه فنهتني قريش.

وقالوا:  أتكتب كل شيء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأومأ بأصبعه إلى فيه _ أي فمه - فقال:  (اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق) رواه أبوداود.

وروى البخاري عن أبي ججيفة قال:  قلت لعلي:  هل عندكم كتاب؟ قال:  لا إلا ما في كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال:  قلت:  وما في هذه الصحيفة؟ قال:  " العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر ".

وكتب - صلى الله عليه وسلم - للملوك والعظماء كتباً يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكتب أيضاً إلى أمرائه وعماله كتبًا حددَّ لهم فيها الأنصبة ومقادير الزكاة والجزية والديات.

ولا يعكر على هذا الأحاديث التي تدل على النهي عن الكتابة كحديث أبي سعيد الذي رواه الإمام مسلم وفيه يقول - صلى الله عليه وسلم -:  (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه) ، فإن هذا النهي كان في أول الأمر حين خيف اشتغال الصحابة عن القرآن واختلاط غيره به.

ولتوجيه جهود الصحابة الذين كانوا يحسنون الكتابة إلى كتاب الله، وقد " استقر الإجماع بعد ذلك وانعقد - كما يقول الحافظ ابن حجر - على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم ".

فقام جماعة من الصحابة بكتابة ما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبعضهم كتب ذلك في صحف خاصة كالصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص، وكصحيفة جابربن عبد اللهوغير ذلك.

وقد ذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب - في كتابه " السنة قبل التدوين " - جملة كبيرة مما كتبه الصحابة رضي الله عنهم في صدر الإسلام، ومما كتبه التابعون رحمهم الله كصحيفة همام بن منبه، حتى كثرت الكتابة وانتشرت.

أضف إلى ذلك ما كان يتمتع به الصحابة رضي الله عنهم من قوة الحافظة وصفاء الذهن، فلم يكونوا بحاجة إلى تدوين الحديث بفضل ما وهبهم الله من هذه الصفات، فحفظوا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع حفظهم لكتاب الله، وأدوه أداءً أميناً لمن بعدهم وكانت صدورهم أوعية للحديث استغنوا بها عن استيداعه القراطيس، ومع ذلك فقد وجد من يكتب، وبذلك تضامنت الذاكرة والأقلام جنباً إلى جنب في حفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وأما التدوين الذي حصل في أوائل القرن الثاني على يد عمر بن عبد العزيز فهي مرحلة متقدمة من مراحل التدوين، وهو تدوين السنة تدويناً رسميا ً من قبل الدولة، بحيث تكون مرجعاً يعتمد عليه الناس ويتداولونه فيما بينهم.

وكان أول من استجاب له الإمام الزهري، فهذا التدوين الرسمي العام لا ينافي أن السنة كانت تكتب قبل ذلك، ولا ينافي ما كتبه الصحابة وقيده التابعون من قبل، إذ إن تقييد الحديث لم ينقطع بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أودع في المصنفات المختلفة.

وبذلك يتضح أن الحديث كان محط أنظار المسلمين ومحل عنايتهم ورعايتهم في مختلف العهود منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان في كل عهوده محفوظاً في الصدور، ومكتوباً في السطور، وقد تناقله المسلمون بكل حرص وأمانة جيلا بعد جيل بالمشافهة والكتابة حتى أودع المصنفات والكتب والمسانيد.

وبذل علماء الإسلام غاية الجهد في خدمته، فميزوا صحيحه من ضعيفه، وأودعوا ذلك كتباً ظلت موضع قبول الأمة وإجماعها إلى يوم الناس هذا كالصحيحين وغيرهما، فظهر بذلك كذب هؤلاء المستشرقين وتهافت ادعاءاتهم وافتراءاتهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المصدر: موقع إسلام ويب